ألسنة
العرب : تعبير أطلق قديما قصد به اختلاف ألسنة القبائل ، وتباينها في نطق بعض
الألفاظ .ويدخل في هذا النوع الاختلاف في حركات الفتح والإمالة ، والإظهار
والإدغام ، والتسهيل والتحقيق ، والتفخيم والترقيق . أو ما يعرف باختلاف اللهجات .
حيث كان للعربية قبل الإسلام أكثر من مستوى وظيفي . فقد كانت هناك اللغة المشتركة
، وهي لغة الشعر والخطابة والحوار في دار الندوة ، والمفاخرات التي تُعقد في أسواق
العرب ، وهناك لغات القبائل التي تتفاوت فصاحتها بمدى قربها من اللغة المشتركة
والتي عُرفت بمسميات مختلفة تعبر عن سمات التغيّر الصوتي فيها ، ومن ذلك :
- تلتلة بهراء : وهي كسر حروف المضارعة ،
مثلاً :الفعل يَعلم ينطق يِعلم بكسر الياء
.
- الكشكشة والكسكسة : وتنسب إلى ربيعة ومضر
وبكر ، وهي قلب الكاف المؤنثة شينا أو سينا كتابك ينطق كتابش أو كتابس .
- شنشنة اليمن : وهي إبدال الكاف شيناً
مطلقاً : في لبيك اللهم لبيك : لبيش اللهم لبيش .
- طمطمانية حِمير : وهي قلب ال التعريف أم
، وبها يُرى الحديث الشريف ( ليس من البر الصيام في السفر) وينطق هكذا : ( ليس من
امبر امصيام في امسفر )
- عجعجة قضاعة : وهي قلب الياء المشددة
جيماً فالعشيّ تنطق العشج .
- استنطاء هذيل :وهي قلب العين نوناً بشرط
مجاورتها للطاء . إنا أعطيناك ، تنطق : أنطيناك.
- فحفة هذيل : وهي نطق حتى عتى : عتى حين .
وهذه اللغات كما أشرنا سابقا هي لغات
خاصة بالقبائل بيمنا كانت اللغة المشتركة بينهم هي اللغة الفصحى لغة الشعر والأدب
والندوات التي تغلبت على سائر اللغات لأسباب دينية واقتصادية واجتماعية ولعل من
أهمها :
Ø الأسواق
: وكان العرب يقيمونها في أشهر السنة للبيع والتسوق ، وينتقلون من بعضها إلى بعض
وهذا يجعلهم وفقا لطبيعة الاجتماع إلى المقارضة بالقول والمفاوضة في الرأي ،
والمبارزة بالشعر ، والمباهاة بالفصاحة والمفاخرة بالمحامد وشرف الأنساب ، فساعد
ذلك كله القبائل العربية على توحيد اللسان والعادات والتقاليد والأخلاق .فقد كان
الشاعر أو الخطيب يحرص على انتقاء الألفاظ العامة والأساليب الشاعة في الأدب رغبة
في إفهام سامعيه ، وطمعا في تكثير جمهوره حينئذ يقوم الرواة بتلقي تلك الأشعار أو
الخطب ونشرها في الأنحاء ، فتنتشر معها اللغة فضلا عن الطريقة والفكرة . وأشهر
تلك الأسواق هو سوق عكاظ ( وهي قرية بين نخلة والطائف واتخذت سوقا سنة 540م )
ومجنة وذو المجاز ، وعكاظ هو أشهر و أقوى الأسواق أثراً في تهذيب اللغة العربية ،
ولعل سر قوته يكمن في أنه كان يقام في بداية ذي القعدة ويستمر إلى العشرين منه ،
فتفد إليه زعماء العرب وأمراء الشعر والأدب من كل فج عميق للمتاجرة ومفاداة الأسرى
وأداء الحج.
Ø
أثر
مكة وعمل قريش في وحدة اللغة وتطورها :
في القرن السادس أصبحت مكة محطة التقاء
القبائل العربية الآتية من الجنوب القادمة بأنواع السلع والتوابل من بلاد الهند
حيث كان المكيون يبتاعونها ويصفونها في أسواق الشام ومصر وكانت قوافل مكة التجارية
آمنة لحرمة البيت الحرام ومكانة قريش وزعامتهم في الحج ورياستهم في عكاظ ، و
إيلافهم رحلة الشتاء إلى اليمن ورحلة الصيف إلى حوران فكانوا أشد الناس ارتباطاً
بالقبائل وأكثرهم اختلاطاً بالشعوب العربية ، فضلا عن اختلاطهم بالحبشة في الجنوب
وبالفرس في الشرق وبالروم في الشمال. فتهيأت لهم بذلك سبل ثقافة اللسان والفكر
فسقلوا لغتهم وجعلوها من أفصح اللغات ، ثم أخذ الشعراء يثرونها وينشرونها، حتى نزل
بها القرآن الكريم فأتم لها الذيوع والغلبة. ويذهب
علماء اللغة إلى أن لهجات غرب الجزيرة العربية ووسطها تقاربت حتى صارت في أصفى
صورها عند قبائل نجد وبطون غطفان وتميم ، حتى أن آمنة بنت وهب أم النبي محمد صلى
الله عليه وسلم اختارت أن تبعث به رضيعاً إلى منازل سعد بن بكر وهم من هوازن حتى
تتعود أذنه النطق السليم .
ويقول ابن خلدون في المقدمة ( ... ولهذا
كانت لغة قريش أفصح اللغات العربية ، و أصرحها لبعدهم عن بلاد العجم من جميع
اتجاهاتهم ، ثم مَن اكتنفهم من ثقيف وهُذيل وخُزاعة ، وبني كنانة وغطفان وبني أسد
وبني تميم.
وأما من بَعُد عنهم من ربيعة ولخم وجُذام
وغسان وإياد وقضاعة وعرب اليمن المجاورين لأمم فارس والروم والحبشة فلم تكن لغتهم
تامة الملكة لمخاطتهم الأعاجم.)
وبهذا يتضح لنا أن قريش ومن جاورها من
القبائل قد ساهمت في تكوين اللغة العربية الفصحى وتطورها وجعلها لغة عامة تغلبت
على لهجات وألسن القبائل العربية ، وقد كان لعمل قريش في التجارة فضلاً عن موقعها
البعيد عن الأعاجم وإقامتها للأسواق التي ساهمت هي أيضا في سقل الألفاظ العربية
وتهذيبها وتصفيتها ونشرها
.
المبحث الثاني : اللغة
العربية من بعد ظهور الإسلام إلى العصر الحديث.
v
اللغة
العربية بعد نزول القرآن الكريم
كان نزول القرآن الكريم بالعربية الفصحى
أهم حدث في مراحل تطورها ؛ فقد وحد لهجاتها المختلفة في لغة فصيحة واحدة قائمة في
الأساس على لهجة قريش ، وأضاف إلى معجمها ألفاظاً كثيرة وأعطى لألفاظ أخرى دلالات جديدة
. كما ارتقى ببلاغة التراكيب العربية . وكان سبباً في نشأة علوم اللغة العربية
كالنحو الصرف والأصوات وفقه اللغة والبلاغة ، فضلاً عن العلوم الشرعية ، ثم إنه
حقق للعربية انتشاراً عالمياً .
وحملت اللغة الفصيحة القرآن الكريم ،
واستطاعت من خلال انتشار الإسلام أن تبدأ زحفها جنوباً لتحل محل العربية الجنوبية
القديمة ، ثم عبرت البحر الأحمر إلى شرق إفريقيا ، واتجهت شمالاً فقضت على الآرمية
في فلسطين وسوريا والعراق، ثم زحفت غرباً فحلت محل القبطية في مصر ،وانتشرت في
شمال إفريقيا فخلفت لهجات البربر ، وفتحت لها الطريق إلى غرب إفريقيا والسودان ،
ومن شمال إفريقيا انتقلت إلى أسبانيا وجزر البحر المتوسط .
v ظهور علوم اللغة العربية وقواعدها
.
عندما
خطت اللغة العربية خطواتها الأولى نحو العالمية ، وانتشرت في الأمصار أصبحت حينها
اللغة الرسمية للدولة وأصبح استخدامها دليلاً على الرُقي والمكانة الاجتماعية ،
وظلت لغة البادية حتى نهاية القرن الثاني الهجري هي الحجة عند كل اختلاف ، أما
سكان الأمصار الإسلامية فقد بدأت صلتهم بها تضعف شيئاً فشيئاً، وأخذ بعضم يتكلم
عربية مولدة متأثرة بلغته الأم ، فكان هذا أحد أسباب التي جعلت العربية تدخل مجال
التأليف العلمي في نهاية العصر الأموي بعد أن كان ثراؤها مقتصراً على شعر وأمثال
على ألسنة الرواة.
أما
بداياتُ النحوِ العربي فغامضةٌ بعضَ الشيءِ ولسنا في معرضِ ذكرِ الآراءِ
المختلفةِ، والراجحُ
أنَّ أبا الأسود الدؤليِّ أولُ من تكلمَ بالنحوِ، ولكن الثابتَ يقيناً أنَّ الانطلاقةَ
الحقيقةَ للنحو العربي كانت على يد ابن أبي إسحاق الحضرمي (735) ثم تبِعهُ الخليل بن أحمد
حتى جاء سيبويه وبدأ عصراً جديداً من الدرس النحوي قائماً على التدوينِ والتأليفِ
فكان "الكتابُ" أولَ ما دوِّنَ من أصولِ النحو، ثم تعددت الآراءُ والمدارسُ في
النحو والصرف خاصةً في العراقِ الذي عرفَ مدرستي الكوفة والبصرة، وما بينهما من
منافسةٍ شديدة لم تقتصرِ على النحو فحسب بل شملتِ عموم علوم اللغة وعلم الكلام.
كما
كان لصناعة المعاجمِ ،على أشكالها، أثرٌ بارزٌ على اللغة العربية وتنظيمها، ما جعلها قادرةً على
احتواءِ الإرثِ الكبير المدوّنِ بالعربيةِ أو المترجمِ عن اللغاتِ الأخرى. ويجمعُ
الباحثون على أن الخليل بن أحمد الفراهيدي هو أولُ من وضعَ مُعجماً في اللغة
العربية، وهو «كتاب العينِ»، وقد رتّب َمادتهُ بحسب مخارجِ الحروف ابتداءً من حرف العين.
وعلى خطا الخليل ظهرت معاجمٌ عربيةٌ كثيرة ومتنوعة في مادتِها وأسلوبها نذكرُ
أشهَرها من معاجم الألفاظ: «الحروف» و«الجيم» للشيباني، و«الجمهرة» لابن دريد،
و«المحيط» للصاحب بن عباد، و«الصحاح» للجوهري، و«القاموس المحيط» للفيروز أبادي،
و«لسان العرب» لابن منظور. ومن معاجم المعاني: «فقه اللغة وسر العربية» لأبي
منصور الثعالبي، و «المُخصَّص» لابن سيده.
وشهدَ
العصرُ العباسي نهضةً ثقافيةً كُبرى تمثّلت بتعدد المدارس الفلسفية والكلامية إضافةً إلى
التأليفِ والترجمةِ والنقل من اللغات الأخرى وهذا بدوره أدّى إلى إغناءِ اللغة
العربية والارتقاء بأساليبها ومفرداتها من خلال استيعاب مفردات ومعاني جديدة.
v
عصور
الانحطاط ...وعصر النهضة ، وهل أثرت النهضة العربية الحديثة في تطور اللغة
العربية؟
من
خلال السطور السابقة تبين لنا أن اللغة العربية قد شهدت تطورا كبيرا وحظيت باهتمام
كبير نتج عنه تأليف الكتب وجمع المعاجم اللغوية وتعليم قواعد اللغة وآدابها.
فما
إن نصل إلى عصرِ الدول المتتابعة ومن ثم فترةِ الحكم العثماني حتى تبدأ اللغة
العربية حالةً أشبه
بالجمود نتيجة الركود الثقافي والاجتماعي في تلك العصور فتراجعت مكانةُ اللغةِ العربية أمام سلطانِ
اللغة التركية واللغات المحلية الأخرى.
واستمرت
الحالُ على ما هي عليه حتى بدأت بوادرُ النهضةِ العربيةِ بالظهور في نهايات القرن التاسع
عشر فشهِدت اللغة العربية انتعاشاً على يدِ المفكرين والمتنورين من أدباءِ
النهضةِ ورجالاتِها، وكان لاستيقاظِ الشعورِ الوطني والقومي دورهُ في بعثِ اللغة
العربية ثم جاءت الصحافة لتحررَ اللغةَ العربية مما علقَ بها من رواسبِ عصورٍ من
الانحطاط والتخلف فعمل الكتّابُ على تجديد أساليبهم بما يتناسب وروحَ العصر ونشطت
حركةُ التأليف لتؤكدَ على الحلّةِ الجديدة للغةِ العربيةِ.
ثم
جاءت المجامعُ اللغوية تعزيزاً ودعماً للغة العربية ومساهمةً كبرى في حركةِ التعريب والترجمة فكان
مَجمعُ اللغة العربية بدمشقَ أولُ هذه المجامع ظهوراً وقد أُنشئ أولاً في العهد
الملكي عام 1919 تحت مسمى "المجمع العلمي العربي" وتولى رئاسته محمد كرد علي
وكان من أشهر أعضائه أمين سويد وأنيس سلوم وسعيد الكرمي ومتري قندلفت وعيسى إسكندر
معلوف وعبد القادر المغربي وعز الدين علم الدين وطاهر الجزائري. كان له دورٌ
كبيرٌ في تعريبِ مؤسسات الدولة وهيئاتها وتعريب التعليم وإنشاء المدارس الأولى
في سورية. وجمعَ الآثارِ القديمة، وجمع الكتبِ المخطوطةِ والمطبوعة وتوسّعَ عددُ
أعضاء مجمع اللغة العربية بعد ذلك إلى عشرين عضواً عاملاً في سوريا. وتوالى على
رئاسته الأساتذة: محمد كرد على (حتى 1953)، خليل مردم بك (حتى 1959)، مصطفى الشهابي (حتى
1968)، حسني سبح (حتى 1986)، وشاكر الفحام.
ثم
كان تأسيسُ المَجمع في بيروت عام 1920 برئاسة عبد الله ميخائيل البستاني وكان من أعضائه إسكندر معلوف
والشيخ مصطفى الغلاييني وبشارة الخوري ولكن المجمع أُلغي بداعي توفيرِ النفقاتِ.
وفي
عام 1932 صدرَ مرسومٌ ملكيٌ في مصرَ يقضي بإنشاء مجمع اللغة العربية في القاهرة وضم عدداً من
المختصين في اللغة العربية من العرب والمستشرقين.
أمّا
المجمعُ العلميُ العراقيُ فتأسّسَ عام 1947 برئاسةِ محمد علي الشبيبي. ومن ثم اجتمعت المجامعُ
اللغويةُ العربيةُ في اتحادٍ واحٍد تأسّس عام 1971 بهدفِ تنظيمِ عملِ المجامع والتنسيق
فيما بينها والعملِ على توحيدِ المصطلحات العلمية والفنية والحضارية ونشرِها.
وتحتلُ
اللغةُ العربية اليومَ المرتبةَ الخامسةَ من بين اللغاتِ واسعة الانتشار في العالمِ إذ ينطقُ
بها ما يزيد على 350 مليون شخص حول العالم، وهذا ما دفعَ منظمةَ الأمم المتحدة
إلى إعلانِ العربية لغةً رسميةً في الأمم المتحدة وأصبحت من لغات العملِ في مختلف
الهيئات والمنظمات التابعة لها كما عيّنت يوم الثامن عشر من كانون الأول/ ديسمبر كل
عام يوماً للاحتفالِ باللغةِ العربيةِ.
الخاتمة
:
يتضح لنا مما سبق نشأة اللغة العربية
وكيف تطورت من ألسنة العرب ومزجت بين ألفاظها وتكونت من ألفاظ نقية اعتمدت كلغة
عامة للأدب والشعر في العصر الجاهلي، وهي لغة سامية شهدت تطورا كبيراً في مراحلها
الداخلية ، وكان للقرآن الكريم فضل عظيم عليها حيث بسببه أصبحت هذه اللغة الفرع
الوحيد من اللغات السامية الذي حافظ على توهجه وعالميته ، في حين اندثرت معظم
اللغات السامية ، ما بقى منها عدا لغات محلية ذات نطاق ضيق مثل : العبرية والأمهرية ،
واللغة العربية شهدت مراحل قوة ومراحل ضعف كان لسيطرة غير العرب على مقاليد الحكم
أثراً كبيرا في إضعافها، إلا أنها ما لبثت أن عادت للحياة من جديد بفضل النهضة
الثقافية العربية وقيام المجامع اللغوية وظهور حركة الإحياء والتأليف.
واللغة العربية يتكلم بها الآن قرابة 422 مليون نسمة كلغة أم ،
كما يتحدث بها من المسلمين غير العرب قرابة العدد نفسه كلغة ثانية.
إلا أن اللغة العربية تواجه تحديات كثيرة
من أبرزها عدم اهتمام أهلها بها وبدراستها وعدم إيمانهم بثرائها اللغوي .
قائمة
المصادر والمراجع :
قائمة المصادر :
1.
القرآن
الكريم .
2. موسوعة الحديث النبوي الشريق ( الصحاح والسنن
والمسانيد ) الإصدار
الثاني ، انتاج موقع روح الإسلام
3. بن جني ، أبو الفتح عثمان ، الخصائص ، ج 1 ، تحقيق محمد علي
النجار ، المكتبة العلمية .
4.
ابن
خلدون ، عبدالرحمن ، المقدمة ، المجلد الأول ط 2 ( دار الكتاب اللبناني ،
بيروت ، 1979.
قائمة المراجع :
1)
الزيات
، أحمد حسن ، تاريخ الأدب العربي ، ط 24
، (
دار المعرفة بيروت )
2) حجازي ، محمود فهمي ، علم اللغة العربية
، المكتبة الشاملة ، نسخة الكترونية .
3)
الموسوعة
العربية العالمية ، النسخة الألكترونية 2004 م