المصدر:
دبي - دارين شبير
التاريخ: 10 سبتمبر 2013
أغنيات كثيرة ولدت على أيدي الشعراء، وتنفست رائحة إبداعاتهم، فامتزجت قصائدهم مع الموسيقى، ورقصت على وقع ألحانها، فتمردت بذلك على جدران أغلفة الدواوين، رافضة أن تبقى أسيرة الكتب، ولم تكتفِ بأن تُلقى في الأمسيات الشعرية فقط، لتنام بعدها في أحضان الصفحات، فتحولت إلى أغنيات من نوع خاص، ونزلت إلى الشارع وصافحت البسطاء والصغار والكبار، فوصلت القصائد إلى الجمهور الذي صار يتنفس شعراً على صوت الموسيقى.
حنين ووتر
"أحن إلى خبز أمي، وقهوة أمي، ولمسة أمي" هو ذاك الحنين الذي لم يكن يشعر به الكثيرون ويستمتعوا به، لولا أن عزفه الفنان مارسيل خليفة على عوده، وبهذه الأغنية ارتبط الكثيرون بكلمات المبدع محمود درويش، وبحثوا بين صفحاته عن كلمات أخرى تروي ذلك الحنين في دواخلهم. "كن صديقي، كم جميل لو بقينا أصدقاء"، هي كلمات الشاعرة سعاد الصباح، التي غنتها الفنانة ماجدة الرومي، فارتبط هذا الاسم العريق في مجال الشعر، بذلك الصوت المتميز في مجال الغناء، فأتى النتاج أغنية يرددها الكثيرون حتى اليوم.
حالات شاعرية
وحين يتعلق الأمر بالشاعر نزار قباني، فالحديث يطول، فقصائده التي تحولت إلى أغنيات، أضافت الكثير إلى عالم الأغنية الراقية، وخصوصاً أن أكثرها ارتبط بصوت القيصر كاظم الساهر، الذي نجح في أن يتميز بأسلوبه الخاص في الغناء، واختياراته الرائعة الدقيقة، فقصيدة "زيديني عشقاً" تميزت بإحساسها القوي، ولكن مع تحويلها إلى أغنية انتشرت بشكل كبير بين الناس، وزادت رغبة فئة الشباب تحديداً لقراءة أشعار نزار، فالألحان التي امتزجت مع شاعرية كلماته كوَّنت مذاقاً يشبه السكر، كما وصلت أغنية "صباحك سكر"، و"إلى تلميذة"، و"هل عندك شك"، و"الحب المستحيل"، و"قولي أحبك" وغيرها، إلى المستمعين الذين أصبحوا يتلهفون لحالات فنية شاعرية حالمة تجمع هذين الاسمين معاً.
قصائد نزار أيضاً غناها العمالقة، فـ"أسالك الرحيل" التي غنتها نجاة الصغيرة فاح عبيرها كالمسك، وتميزت عن غيرها من الأغنيات التي تُكتب كلماتها لتكون أغنية، و"أصبح عندي بندقية" التي غنتها أم كلثوم، وقصيدة قيس بن الملوح "أحب من الأسماء ما شابه اسمها"، التي غنتها فيروز بالإضافة إلى "لا تسألوني ما اسمه حبيبي"، و"قارئة الفنجان" لعبدالحليم حافظ، كلها أغنيات فاقت روعتها كل التعابير، وبهذا لم يصل نزار قباني من خلال دواوينه فقط إلى الجمهور، بل من خلال إبداع هؤلاء الفنانين. أكثر الأسماء القديرة في عالم الغناء، ارتبطت باسم الشاعر قباني على اختلاف الأجيال، فماجدة الرومي غنت قصيدته "كلمات" التي حققت نجاحاً كبيراً، كما غنت له لطيفة عدداً من الأغنيات كـ"أعنف حب عشته".
سيدة القصيدة المغناة
تسيَّدت أم كلثوم الأغنية المأخوذة من القصيدة، فـ"الأطلال" التي كتبها إبراهيم ناجي وغيرها من الأغنيات التي ارتبط الكثيرون معها بعلاقة حب، كانت شاعرية إلى أقصى مدى، ونجحت في أن تربط الجمهور بالقصائد وبالأشعار، فأم كلثوم انتقت من الدواوين الشعرية ما يتميز بقيمته العالية لتقدمه للجمهور.
روائع
قصيدة "كفي الملام" التي أبدعها الشاعر الكويتي فهد العسكر وغناها شادي الخليج، من أجمل ما نواتج القصائد المغناة وروائعها، كما لا تزال رائعة امرؤ القيس "تعلق قلبي بطفلة عربية" تصدح في عالم الغناء بعد أن غناها أكثر من فنان كطلال مداح وهيام يونس.
بورصة الأغنيات
احتلت أغنيات كثيرة أصلها قصائد مغناة المراكز الأولى في بورصة الأغنيات، وأثرت في الجمهور الذي تفاعل مع كلماتها وألحانها، وارتبط من خلالها بأصحاب الفن الحقيقي، ولكن هذا النجاح لم يلفت أنظار المنتجين الموسيقيين، الذين يصرون على الأغنية السريعة. فهل يعني ذلك أن زمن القصيدة المغناة ينتهي مع مرور الزمن، وهل أصبح الجمهور اليوم يستحلي "بوس الواوا" و"أنا دانة" و"شيل ده من ده يرتاح ده عن ده"، أكثر مما يتذوق "يا جارة الوادي" و"سقط القناع"؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق